كيف تُساهم الشركات الناشئة في مصر في تعزيز مستقبل أفريقيا الرقمي
قبل ثلاث سنوات، كنت أتجول في مراكز التكنولوجيا النابضة بالحياة في القاهرة، ولم أكن مستعدًا لما سأكتشفه. صحيح أنني قرأت تقارير عن التحول الرقمي في أفريقيا، لكن رؤية بيئة الشركات الناشئة في مصر عن كثب غيّرت نظرتي تمامًا إلى مستقبل الابتكار في القارة.
أكثر ما أدهشني لم يكن عدد الشركات الناشئة فحسب - رغم كثرة عددها - بل الطموح الكبير الذي يحرك هؤلاء المؤسسين. فهم لا يبنون حلولاً لمصر فحسب، بل يستهدفون السوق الأفريقية بأكملها بشكل منهجي، منشئين منصات قابلة للتوسع تعالج التحديات التي رأيتها تتكرر في عشرات الدول في جميع أنحاء القارة.
ثورة التكنولوجيا المالية في مصر: ما وراء الخدمات المصرفية
دعونا نتحدث بالأرقام قليلاً. استقطب قطاع التكنولوجيا المالية في مصر استثمارات تجاوزت 186 مليون دولار أمريكي خلال عام 2023.1، وهو ما يمثل ما يقرب من 40% من إجمالي رأس المال الاستثماري المتدفق إلى البلاد. ولكن ما يثير حماسي حقًا هو أن الأمر لم يعد يقتصر على المدفوعات الرقمية فقط.
لقد تطورت شركات مثل فوري بشكل كبير متجاوزةً جذورها في مجال معالجة المدفوعات. بمتابعتي لرحلتها منذ عام ٢٠١٩، شاهدتُها وهي تتحول إلى منصات خدمات مالية شاملة تخدم أكثر من ٣٥ مليون مستخدم.2ما هو الرائع في نهجهم؟ لقد أتقنوا خدمة كلٍّ من المتعاملين مع البنوك وغير المتعاملين معها في آنٍ واحد.
حقائق التمويل الرقمي في مصر
حققت مصر تقدمًا ملحوظًا في مجال الشمول المالي، حيث ارتفع معدل تبني المدفوعات الرقمية بنسبة 300% بين عامي 2020 و2023. وتجري البلاد الآن أكثر من 4.5 مليار معاملة رقمية سنويًا، مما يجعلها ثاني أكبر سوق للمدفوعات الرقمية في أفريقيا بعد نيجيريا.
ثم هناك شركة Valify، التي فاجأتني بصراحة عندما صادفتُ نظامهم لتقييم الائتمان. فبدلاً من الاعتماد كليًا على البيانات المصرفية التقليدية - والتي، بصراحة، غير موجودة لدى معظم الأفارقة - يستخدمون مصادر بيانات بديلة، بما في ذلك معاملات الأموال عبر الهاتف المحمول، ومدفوعات الخدمات، وحتى أنماط السلوك على مواقع التواصل الاجتماعي.3.
نحن لا نبني فقط لسكان مصر البالغ عددهم 100 مليون نسمة، بل نبني أيضًا لسكان أفريقيا البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة، ومصر هي نقطة انطلاقنا نحو هذه الفرصة الهائلة.
ما يلفت انتباهي حقًا في تطور التكنولوجيا المالية في مصر هو كيفية معالجة هذه الشركات لثغرات البنية التحتية في جميع أنحاء القارة. لنأخذ شركة MNT-Halan على سبيل المثال. لقد توصلت إلى كيفية تقديم خدمات التمويل الأصغر من خلال منصة رقمية بحتة، للوصول إلى العملاء الذين يعيشون على بُعد ساعات من أقرب فرع بنك.4.
الحكومة كمحفز رقمي
سأكون صريحًا تمامًا - عندما بدأتُ البحث في المشهد التكنولوجي في مصر، توقعتُ أن تكون البيروقراطية الحكومية العائق الأكبر. يا إلهي، كنتُ مخطئًا. لقد أصبحت الحكومة المصرية من أكثر الإدارات التي واجهتها في الأسواق الناشئة دعمًا للشركات الناشئة.
مبادرة الحكومة المصرية "مصر الرقمية 2030" ليست مجرد خطاب سياسي، بل دعمتها بتمويل كبير وتغييرات في السياسات.5ما الذي أثار إعجابي أكثر؟ لقد أنشأوا بيئات تنظيمية فعّالة. تستطيع شركات التكنولوجيا المالية الناشئة الآن اختبار منتجاتها المبتكرة مع عملاء حقيقيين، مع العمل في ظلّ متطلبات تنظيمية مُخفّفة.
المبادرات الرقمية الحكومية الرئيسية
- بيئات تنظيمية مبتكرة في مجال التكنولوجيا المالية
- إنشاء صندوق رأس مال استثماري بقيمة $500 مليون دولار
- نظام الهوية الرقمية الذي يغطي 95% من السكان
- منصة تسجيل الأعمال الشاملة
لكن هنا تكمن الأهمية. كان البنك المركزي المصري رائدًا في تجارب العملات الرقمية التي تحذو حذوها دول أفريقية أخرى. وقد عالج برنامجه التجريبي للعملات الرقمية للبنوك المركزية، الذي أُطلق عام ٢٠٢٢، أكثر من ٢.٣ مليار معاملة.6لا يتعلق الأمر فقط بالمدفوعات، بل يتعلق أيضًا بإنشاء البنية التحتية الرقمية التي تحتاجها الشركات الناشئة في جميع أنحاء أفريقيا بشدة.
مبادرة | استثمار | الجدول الزمني | تأثير |
---|---|---|---|
مصر الرقمية 2030 | $1.2 مليار | 2018-2030 | البنية التحتية الرقمية على مستوى البلاد |
مشروع تجريبي لعملة البنك المركزي الرقمية | $150 مليون | 2022-2025 | $2.3B المعاملات المعالجة |
صندوق الشركات الناشئة | $500 مليون | 2021-2026 | تم تمويل أكثر من 200 شركة ناشئة |
ما يثير حماسي حقًا هو نهج مصر في مجال الهوية الرقمية. لقد أنشأوا نظامًا موحدًا للهوية الرقمية يغطي 95% من السكان.7قد يبدو هذا مملاً، لكن صدقني، إنه ثوري للشركات الناشئة. تخيّل إمكانية التحقق من هوية العميل، ومعالجة متطلبات "اعرف عميلك"، وتمكين الخدمات المالية فورًا عبر دول متعددة باستخدام البنية التحتية نفسها.
نظام بيئي للشركات الناشئة لم يتوقعه أحد
قبل ثلاث سنوات، كان في القاهرة حوالي اثنتي عشرة شركة ناشئة تكنولوجية بارزة. اليوم؟ فقدت العد، لكن التقديرات المتحفظة تشير إلى وجود حوالي 400 شركة ناشئة نشطة.8هذا ليس نموًا تدريجيًا، بل هو انفجار.
ما الذي يُحرك هذا الازدهار؟ بصراحة، إنها مجموعة مُتكاملة من العوامل. يوفر السوق المحلي الضخم في مصر النطاق اللازم لاختبار المنتجات، بينما يُسهّل الموقع الجغرافي للبلاد التوسع في أسواق أفريقيا والشرق الأوسط.
لكن ما أراه أكثر إثارةً للاهتمام هو أن الشركات الناشئة المصرية لا تقتصر على نسخ نماذج وادي السيليكون، بل تبتكر حلولاً مصممة خصيصاً لواقع السوق الأفريقية. خذ على سبيل المثال تطبيق "رابيت"، التطبيق المصري الفائق الذي يجمع بين خدمات حجز السيارات وتوصيل الطعام وخدمات الدفع. فبدلاً من محاولة تقديم كل شيء للجميع مثل التطبيقات الغربية، ركزت هذه الشركات على حل التحديات اللوجستية الخاصة بالبيئات الحضرية الكثيفة ذات أنظمة العنونة الرسمية المحدودة.9.
يدرك رواد الأعمال المصريون التحديات الأفريقية فهمًا عميقًا، إذ نتشارك قيودًا متشابهة في البنية التحتية والبيئات التنظيمية وسلوكيات العملاء. وهذا يمنحنا ميزة تنافسية لا تستطيع الشركات الأجنبية تقليدها.
كان اهتمام المستثمرين هائلاً. في عام ٢٠٢٣ وحده، جمعت الشركات الناشئة المصرية أكثر من ١٫٤ تريليون و٨٠٠ مليون دولار أمريكي عبر ١٢٠ صفقة.10ما هو المثير للاهتمام حقًا؟ حوالي 60% من هذا التمويل جاء من مستثمرين دوليين يرون في مصر بوابتهم إلى السوق الأفريقية الأوسع.
شركات ناشئة مصرية بارزة تُحدث تأثيرًا قاريًا
- Swvl - منصة النقل الجماعي تتوسع إلى 15 دولة أفريقية
- Instabug – أدوات للمطورين تستخدمها أكثر من 25000 شركة حول العالم
- فيزيتا - منصة رعاية صحية تخدم أكثر من 10 دول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
- Paymob – معالجة المدفوعات عبر 8 أسواق أفريقية
ما وراء الحدود: النفوذ القاري لمصر
هنا تكمن نقطة الإثارة بالنسبة لي. الشركات الناشئة المصرية لا تكتفي بالبقاء في سوقها المحلي، بل تتوسع بشكل منهجي في جميع أنحاء أفريقيا بمعدلات نجاح ملحوظة. ما لاحظته يختلف تمامًا عن نمط توسع الشركات الناشئة المعتاد في المناطق الأخرى.
بدلاً من النهج المُعتاد "التأسيس في السوق المحلية، ثم التوسع في كل مكان"، تُطلق العديد من الشركات الناشئة المصرية استراتيجياتٍ أفريقية منذ البداية. على سبيل المثال، كانت شركة سويفل تعمل في كينيا وباكستان قبل أن تُسيطر تمامًا على السوق المصرية.11إنه أمر جريء جدًا، لكنه يعمل.
ما السر؟ أدرك رواد الأعمال المصريون أن الأسواق الأفريقية تشترك في أوجه تشابه كافية من حيث تحديات البنية التحتية، والبيئات التنظيمية، وسلوكيات المستهلكين، مما يسمح بتكييف الحلول بدلًا من إعادة بنائها بالكامل لتناسب كل دولة. وهذا يمنحهم ميزة هائلة في سرعة طرح منتجاتهم في السوق، مقارنةً بشركات وادي السيليكون التي تسعى لدخول الأسواق الأفريقية.
بدء | قطاع | بلدان | المستخدمون |
---|---|---|---|
سويفل | مواصلات | 15 | 2 مليون+ |
فيزيتا | الرعاية الصحية | 10 | 5 ملايين+ |
باي موب | التكنولوجيا المالية | 8 | أكثر من 150 ألف تاجر |
الأمر المثير للإعجاب بشكل خاص هو كيفية معالجة هذه الشركات لمشكلة نقص البنية التحتية التي حدّت تاريخيًا من تبني التكنولوجيا في أفريقيا. على سبيل المثال، ابتكرت Paymob حلول دفع فعالة بنفس القدر سواءً كنت في وسط القاهرة أو في ريف كينيا.12لقد قاموا ببناء منصتهم بالكامل حول افتراض أن الاتصال بالإنترنت سيكون متقطعًا وأن تبني الهواتف الذكية سيكون متنوعًا.